المحاولة رقم 48... نحو مسرح فلسطينيّ قوميّ | حوار مع يوسف أبو وردة

الفنّان الفلسطينيّ يوسف أبو وردة

 

* الكتابة المسرحيّة العربيّة موجودة، لكنّها في أغلبها بعيدة عن العمل المسرحيّ. 

* مشاركة الممثلّين الفلسطينيّين في المسرح الإسرائيليّ قامت على أساس إيمان ساذج. 

* الصراعات الفلسطينيّة الداخليّة ساهمت في إعاقة مشروع مسرح فلسطينيّ قوميّ. 

* يجب مراعاة خصوصيّة فلسطينيّي 48 عند الحديث عن التطبيع مع إسرائيل. 

 

وُلِدَ الممثّل والمخرج الفلسطينيّ يوسف أبو وردة عام 1953، في قرية الجشّ في الجليل الأعلى في الأراضي المحتلّة عام 1948. أدّى أبو وردة أدوارًا مسرحيّة عديدة في «مسرح حيفا» البلديّ من بينها مسرحيّات «نظرة من الجسر»، «غيتو»، «في انتظار غودو»، «المساعد»، الروح اليهوديّة»، «الجزيرة»، «المطر الأسود»، «يوليسيوس»، «عطش والجوع» و«محاكمة القرد». إضافة إلى مشاركته في بعض الأعمال الفنّيّة الدراميّة الإسرائيليّة ومنها مسلسل «التحرّر» (2007 – 2014)، ومسلسل «الطاغية» (2014)، إضافة إلى فيلم «الأرض الموعودة» (2004).

في هذا الحوار الّذي تجريه فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة مع أبو وردة، نتحدّث معه عن واقع المسرح الفلسطينيّ وصناعته في أراضي 48، وإشكاليّات المشاركة الفلسطينيّة في الإنتاج الفنّيّ الإسرائيليّ، وعمله المسرحيّ الجديد، مسرحيّة «الأب»، من إخراج المخرجة السوريّة خولة إبراهيم.

 

فُسْحَة: تحدّثت عام 2017 في حوار مع موقع «قديتا» عن الصعوبات الّتي واجهت «مسرح الميدان»، والمسرح الفلسطينيّ في أراضي 48 عمومًا، على مستوى الميزانيّات والعلاقة مع المؤسّسة الإسرائيليّة. من المؤكّد أنّ هذه الصعوبات تفاقمت بعد «جائحة كورونا» الّتي أوقفت النشاط المسرحيّ بجانب عديد النشاطات الأخرى لفترة طويلة، فكيف تقرأ واقع المسرح الفلسطينيّ في أراضي 48 اليوم على مستوى إشكاليّات الميزانيّة والتمويل وتأثير الانقطاع الطويل بسبب الجائحة؟

يوسف: أعتقد أنّنا تمكّنا من التغلّب على فترة الانقطاع من خلال مسرحيّة «الأب»، وهي أوّل مسرحيّة أشارك فيها بعد الجائحة، حيث شعرنا وكأنّنا بُعِثْنَا مرّة أخرى. لقد أُغلِقَ «مسرح الميدان» قبل الجائحة، وأغلِقَتْ الجمعيّة أيضًا، لذلك كان الشعور المسيطر أنّنا نريد العودة لنثبت وجودنا بعد محاولة المؤسّسة الإسرائيليّة ضرب حركة «مسرح الميدان» الحيويّة، وضرب تجربة جمعيّة متعدّدة العناصر الهويّاتيّة والثقافيّة. لذلك أحببت العمل في هذه المسرحيّة – مسرحيّة الأب – الّتي أعادت الثقة لنا بقدرتنا كفنّانين على مواجهة الصعوبات والعوائق والخروج بشيء لا يقلّ مستوًى عمّا كنّا ننتجه في «مسرح الميدان».  

 

فُسْحَة: هل استغلّت أجهزة الدولة الإسرائيليّة، مثل وزارة الثقافة وغيرها من المؤسّسات المسؤولة عن تمويل النشاط الثقافيّ الفلسطينيّ، «جائحة كورونا» لإنهاء الحركة المسرحيّة الفلسطينيّة؟

يوسف: لا أعرف إن كانت استغلّت الجائحة بهذه الطريقة بقدر ما استغلّتها لفعل أشياء أخرى، فالخراب كان قد وقع قبل الجائحة من خلال ضرب «مسرح الميدان» في حيفا والحركة الثقافيّة المحيطة به.

 

فُسْحَة: في ضوء ما حدث مع «مسرح الميدان»، كيف تقرأ العلاقة بين المؤسّسة الرسميّة الإسرائيليّة وما بين المسرح الفلسطينيّ على مستوى التمويل والرقابة، ما العناصر الأساسيّة الّتي تحكم هذه العلاقة؟

يوسف: بعد تجربة طويلة بيننا وبين المؤسّسة الإسرائيليّة، أفكّر بالعلاقة كالآتي؛ نحن نحلم ونأمل أن نتمكّن من خلق حركة مسرحيّة وفكريّة تعبّر عن وجودنا ومشاعرنا وهويّتنا الّتي تهمّنا نحن، أن يكون ثمّة استمراريّة على المستوى الفنّيّ وتقدّمه وجذب الجمهور إلى المسرح بشكل أكبر. هذا ما نحلم فيه، أن يكون المسرح على اتّصال مع قضايانا وقضايا شعبنا، وذلك حقّ لنا، والتمويل حقّ وليس منّة من المؤسّسة الإسرائيليّة لأنّه يأتي من الضرائب الّتي ندفعها.

في المقابل، تحاول المؤسّسة الإسرائيليّة استغلال هذا التمويل وموقع القوّة الّذي تشغله لتمنع نشوء حركة وطنيّة قوميّة فكريّة تنبع من هويّتنا الفلسطينيّة، وتحاول تفتيت هذه الحركة لتكون تابعة لأشياء أصغر أو انتماءات أصغر على هيئة مسارح بلديّة هنا وهناك، في محاولة لمنع نشوء مسرح قطريّ قوميّ يمتّن الروابط الهويّاتيّة بين البلدات والمدن المختلفة.

 

فُسْحَة: هل يساهم التحاق الممثّلين الفلسطينيّين بالمسرح الإسرائيليّ أو السينما الإسرائيليّة في سياسة التفتيت هذه؟

يوسف: لا بدّ من القول إنّ التحاق الممثّلين الفلسطينيّين بالمسرح الإسرائيليّ ترافق مع التفكير في تلك الساحة كساحة نضال مختلفة. فقد قدّمنا في ذلك الوقت مسرحًا سياسيًّا تطرّق إلى قضايا التمييز العنصريّ والأبارتهايد وغيرها من القضايا السياسيّة، وشعرنا بأنّ ثمّة شركاءً يهودًا يشاركوننا خشبة المسرح والأفكار ذاتها تقريبًا، وأنّ المشروع الّذي كنّا جزءًا منه كان مشروعًا سياسيًّا احتجاجيًّا ونقديًّا. لقد اختفت تلك الرؤية بعد الانتفاضة الأولى الّتي أحدثت شرخًا بيننا وبين المسرح الإسرائيليّ، وقد عاد الشرخ يتّسع بعد الانتفاضة الثانية؛ فالمسرح الإسرائيليّ وجمهوره لم يعد مهتمًّا بالقضيّة السياسيّة، وكذلك الممثّل الفلسطينيّ لم يعد مهتمًّا بالظهور على المسرح الإسرائيليّ. على مستوى تجربتي الشخصيّة، لا أرى أنّ التحاق الممثّل الفلسطينيّ بالمسرح الإسرائيليّ تسبّب بآثار سلبيّة على المسرح الفلسطينيّ؛ فقد تعلّمت واستفدت كثيرًا من تجربتي الفنّيّة، وتطوّرت لديّ أدوات استخدمتها في المسرح الفلسطينيّ.

 

فُسْحَة: هل يمكن القول إنّ الجمهور الإسرائيليّ، ومَنْ وصفتهم بالشركاء اليهود، كانوا على استعداد لسماع الصوت الفلسطينيّ عندما كان ضحيّة احتلال سلبيّة وصامتة، ولكن عندما انتفضت هذه الضحيّة رفضًا لواقع الاحتلال في عموم فلسطين التاريخيّة خلال سنوات الانتفاضة الأولى، وتمكّنت من تكبيده أثمانًا بشريّة باهظة في سنوات الانتفاضة الثانية؛ آنذاك لم يعد الجمهور العبريّ والشريك اليهوديّ مستعدًّا لسماع الصوت الفلسطينيّ، ذلك على الرغم من أنّه كان مدركًا لواقع الاحتلال، لكنّ تعاطفه كان مع الضحيّة السلبيّة الصامتة لا الضحيّة الفاعلة المقاتلة؟

يوسف: يختلف تفكيري اليوم عمّا كان عليه في الماضي؛ في الماضي كان ثمّة آفاق مختلفة كلّيًّا عمّا هي عليه الآن، كان ثمّة شريحة معيّنة من الفنّانين والمبدعين والكتّاب اليهود الّذين طلبوا من الفلسطينيّين الانضمام إلى المسرح ومجالات ثقافيّة أخرى. في ذلك الوقت كان لدينا طموح لنشر وعي سياسيّ عن طريق المسرح والثقافة، أن يكون لنا مكان في التلفزيون والمسرح، ولم يكن انضمامنا إلى هذه المساحات مستنكرًا، على العكس، كان الناس سعداءً بقدرتنا على اختراق هذه الأماكن. كان الوضع مختلفًا كلّيًّا على مستوى ما أردناه وما أرادوه، وأيضًا على مستوى الاستعداد للإصغاء والاستماع.

هذا كلّه تغيّر اليوم بعدما اكتشفنا أنّ «عمليّة السلام» كانت في الواقع محاولة التفاف على القضيّة، لم تكن خطّة سلام بقدر ما كانت خطّة حرب. ربّما كنّا سذّجًا، ربّما كانت السياسات مختلفة بالفعل، لا أعرف، لكنّ ما أراه أنّ العلاقة اليوم بين الفلسطينيّ والإسرائيليّ الّذي يحاول التقرّب من الأوّل ما هي إلّا محاولة التفاف على القضيّة الرئيسيّة، وليست محاولة حقيقيّة لحلّ القضيّة. ذلك ما نكتشفه اليوم عند الإسرائيليّين من اليسار إلى اليمين، ولم يكن هذا الإدراك موجودًا في الماضي، أو ربّما كان ولكنّنا جرّبنا التفكير فيه على أنّه مجرّد احتمال.

 

فُسْحَة: بعد هذا الإدراك، هل أنت مستعدّ اليوم للمشاركة في عمل فنّيّ إسرائيليّ؟

يوسف: تصلني عديد المقترحات للمشاركة في أعمال فنّيّة إسرائيليّة، لكنّني أميل دائمًا إلى عدم الموافقة، لشعوري بفقدان المعنى من وراء هكذا مشاركة، المعنى السياسيّ بصفتي أمثّل مجتمعًا وفئةً معيّنة. المعنى الوحيد المتاح من وراء هكذا مشاركة هو استغلال المشاركة الفلسطينيّة لغسيل ثقافيّ للدولة وأجهزتها. ليس ثمّة إمكانيّة اليوم للمشاركة في عمل إسرائيليّ إلّا إن كان خارج البلاد وبعيدًا جدًّا عن أيّ شيء يحدث هنا. ويجب أن أوضّح أنّني مبدأيًّا لا أعارض مشاركة الممثّل الفلسطينيّ في الإنتاج الفنّيّ الإسرائيليّ، رغم أنّني مع المقاطعة العربيّة والفلسطينيّة لإسرائيل، لكنّني أشدّد على ضرورة إيجاد الفرص الصحيحة للتأثير من خلال تلك المشاركة. 

 

فُسْحَة: يختلف مفهوم التطبيع اليوم عنه في ثمانينيّات القرن الماضي؛ فمشاركة فلسطينيّو أراضي 48 في عمل إسرائيليّ اليوم قد تعتبر تطبيعًا، في حين أنّ المطالبة بتمويل الإنتاج الفنّيّ الفلسطينيّ من قبل مؤسّسات إسرائيليّة تعتبر حقًّا مشروعًا من حقوقهم بوصفهم مواطنين يدفعون ضرائبًا للدولة، والبعض يعتقد أنّ انتزاع هذا الحقّ واجبًا. إذن كيف أُعِيدَ إنتاج مفهوم التطبيع بالنسبة للعاملين في حقل الإنتاج الفنّيّ والثقافيّ في أراضي 48؟

يوسف: ساهم تراكم الممارسات العنصريّة وممارسات الاحتلال في إعادة إنتاج مفهوم التطبيع بشكل كبير. في عام 1975 كانت الممارسات الاستعماريّة تختلف عنها اليوم، كانت قاسية وعنيفة، لكنّها كانت مقنّعة أيضًا بعكس ما هي عليه في الحاضر. لكنّ زيادة حدّة هذه الممارسات وتخلّيها عن أقنعتها ومناوراتها السياسيّة لتصل حدّ الإفصاح اليوميّ عن كراهية واحتقار العرب غيّر في العلاقة بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين بشكل كبير.

لا أريد تسمية هذه العلاقات الّتي كانت قائمة بالتطبيع، فقد كنّا ولا زلنا ضدّ التطبيع العربيّ مع إسرائيل، ولا بدّ من فهم خصوصيّة حالة الفلسطينيّين داخل إسرائيل، نحن لا نطبّع مع الإسرائيليّين بخيارنا، نحن نعيش هنا ونتعامل معهم، نذهب إلى المستشفيات والبنوك ونجدهم هناك. لا أستطيع القول إنّي لا أريد التطبيع معهم، أو التعامل معهم.

إذن، وسّع تراكم الممارسات العنصريّة بعد الانتفاضة الأولى وازدياد حدّة العنف والظلم اليوميّ من الشرخ بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين، ومَنْ كنّا نجالسهم ونتحدّث معهم عن الحقوق الإنسانيّة والسياسيّة من اليهود لم يعودوا مستعدّين لخوض هذه الأحاديث، وصار العربيّ عدوًّا مطلقًا لجميع الإسرائيليّين، وقد كنّا أعداءً من قبل، لكنّنا أصبحنا عدوًّا معلنًا اليوم.

 

فُسْحَة: لكنّ تطوّر المسرح الفلسطينيّ وظهور جيل جديد من الكتّاب والمخرجين الفلسطينيّين والفلسطينيّات، ساهم أيضًا في جذب الممثّلين الفلسطينيّين بعيدًا عن المسرح الإسرائيليّ إلى حلقة الإنتاج الفلسطينيّة الفنّيّة..

يوسف: لكنّ تفتّت المسرح الفلسطينيّ لم يكن مرتبطًا حصرًا بممارسات المؤسّسة الإسرائيليّة، بل كان أيضًا مرتبطًا بسياسات شرذمة فلسطينيّة الإنتاج والممارسة، أنتجتها الصراعات السياسيّة الفلسطينيّة الداخليّة الحزبيّة والفئويّة. نحن نريد مسرحًا وطنيًّا قطريًّا يمثّل الكلّ لنؤسّس لأقلّيّة قوميّة تمارس استقلاليّتها الثقافيّة بحرّيّة وخصوصيّة، وذلك ما كان غائبًا بسبب انعدام الرؤية الفلسطينيّة الموحّدة الّتي كانت نفسها موضع نزاع وخلاف داخليّ.

 

فُسْحَة: شكّلت برفقة مكرم خوري ثنائيًّا فنّيًّا مميّزًا، كيف بدأت علاقتكما وكيف تطوّرت حتّى الآن؟

يوسف: بدأت علاقتي الفنّيّة بمكرم خوري في ثمانينيّات القرن الماضي عندما عملنا في «مسرح  حيفا»، وأعتقد أنّ الثمانينيّات شهدت أوج عطاء «مسرح حيفا» حيث شَهِدَ عديد المسرحيّات الجريئة والقويّة. في ذلك الوقت اشتغلنا أنا ومكرم على مسرحيّة «الجزيرة» وهي مسرحيّة جنوب أفريقيّة لأثول فوجارد [Athol Fugard] تحكي عن قصّة سجن «روبن آيلند» الّذي سُجِنَ فيه نيسلون مانديلا (1918 – 2013) وقصّة سجينين أحدهما يؤمن بالعنف حلًّا للقضيّة الجنوب أفريقيّة، وآخر يؤمن بالسياسة. كانت هذه المسرحيّة بداية علاقتي مع مكرم لتتطوّر لاحقًا إلى صداقة وشراكة وزمالة طيّبة. بعد ذلك عَمِلْنا على مسرحيّة «في انتظار غودو» للكاتب الإيرلنديّ صاموئيل بيكيت [Samuel Beckett] (1906 – 1989) وسمّيناها «ناطرين غودو». في السنوات الأخيرة شهدت علاقتنا العمليّة انقطاعًا إلى أن شاركنا في مسرحيّة «الثنائيّ المرح» في «مسرح المجد» ولاقت نجاحًا كبيرًا، وحاليًّا نعمل على مسرحيّة بدأناها قبل أيّام واسمها «مش رح ندفع مش رح ندفع»، تحكي عن نوع من الانتفاضة ضدّ الشركات الكبرى والأسعار، فيها مجموعة من النساء يدخلن على سوبر ماركت ويأخذن بضاعة ولا يدفعن ثمنها كنوع من الاحتجاج.

 

فُسْحَة: هل ثمّة ندرة في النصّ العربيّ المسرحيّ؟

يوسف: أعتقد أنّ الكتابة المسرحيّة العربيّة موجودة لكنّها في أغلبها بعيدة عن العمل المسرحيّ. على الكتابة المسرحيّة أن تُستَمدَّ من الممارسة العمليّة، ويفترض بالكاتب المسرحيّ أن يكتسب الممارسة العمليّة ليعرف بنفسه كيف يتفاعل الممثّل ومن أين وكيف تنطق العبارات المكتوبة، وما التعبير المسرحيّ كلامًا ومشهدًا، وغيرها من الأمور المهمّة. نحن نتّكل على التعبير الكلاميّ، لذلك تجد النصّ المسرحيّ كُتِبَ بمعزل عن العمل المسرحيّ ما يجعله غير قابل للتحويل الدراميّ. تنبني المشهديّة المسرحيّة على الفعل الدراميّ وليس على الكلام، لذلك ثمّة حاجة إلى مسرح ينتج النصّ داخل آليّات إنتاج العمل الفنّيّ نفسه أو بالتوازي معها، وذلك ما حاولنا العمل عليه في «مسرح الميدان» قبل إغلاقه، من خلال ورشات العمل الخاصّة بالكتابة المسرحيّة وتطويرها إلى نصوص قابلة للتحويل المسرحيّ.

 

فُسْحَة: بدأت بالحديث عن مسرحيّة «الأب» للمخرجة خولة إبراهيم،   كيف بدأ التحضير للعمل؟ وما الّذي يمكنك قوله عن هذه التجربة؟

يوسف: بداية العمل تعود إلى حسن طه وهو ممثّل يعمل بين «المسرح الجوّال» ومسارح أخرى. كان قد اتّصل بي قبل عام وأخبرني عن المسرحيّة الّتي قام بترجمتها وكان مصرًّا على إيجاد طريقة لإنتاجها وعرضها. هنا أريد الإشارة إلى ترجمة طه الدقيقة السلسلة والصادقة لنصّ المسرحيّة الأصليّ، والّتي ساعدت الممثّلين على التعبير عن مشاعرهم وأدخلتهم إلى عالم الشخصيّات الداخليّ، كما قرّبت الجمهور من الشخصيّات. أيضًا لا بدّ من القول إنّ قرار «المسرح الجوّال» إنتاج المسرحيّة عَكَسَ جرأة فنّيّة إنتاجيّة ورؤية فنّيّة شاملة ذات أبعاد وطنيّة، تؤسّس لمسرح قطريّ ديناميكيّ يستوعب طاقات جديدة ويحقّق طموحاتنا الفنّيّة.

لا ينتج «المسرح الجوّال» عادة أعمالًا فنّيّة بهذه الضخامة من حيث التمويل ومصاريف الإنتاج، على الرغم من ذلك أصرّ حسن طه على إنتاجها وجلب التمويل اللازم لإنتاج المسرحيّة. وضعنا قائمة بالأسماء وظهر اسم خولة إبراهيم ولم أكن قد تعاملت معها من قبل، لكنّي أعرفها شخصيّة طموحة، ذكيّة، مجتهدة، ولديها الإصرار والذوق الرفيع اللازمين لشخصيّة المخرج. كانت تجربتها قبل ذلك بسيطة مؤلّفة من أربع مسرحيّات فقط، لكنّ تجربتها الأكبر كانت في التمثيل. في النهاية وقع الاختيار عليها بناءً على اعتقادنا بأنّها شخصيّة مسؤولة ومجتهدة وسوف تبذل الجهد اللازم لإنجاح هذا العمل، وذلك ما حصل بالفعل. لقد فوجئت من قدرتها على إدارة عمليّة إنتاج بهذا الحجم، إضافة إلى تمسّكها الدائم بالمبادرة وقدرتها الدائمة على التحكّم بمسار الأمور، وتلك أمور ليست بالسهلة. كما كانت ذكيّة في التعامل مع الممثّلين ومن بينهم أنا، إضافة إلى بنائها الذكيّ للشخصيّات والأدوار على خشبة المسرح. آمل أن تكون مسرحيّة «الأب» فاتحة لتجارب أخرى ومسرحيّات أخرى بالنسبة لها.

كذلك من الضروريّ الإشارة إلى عمل أشرف حنّا في الديكور الّذي ساهم في إيصال فكرة عدم الثقة بالمكان والزمان، وهي فكرة أساسيّة في المسرحيّة. في العموم، كان العمل مع المجموعة رائعًا على مستوى الشراكة والإصغاء والتفاعل والرغبة الموجودة لدى الجميع، كان ثمّة محبّة كبيرة في العمل دفعت الجميع إلى بذل الجهد اللازم بطريقة رائعة.

 


 

أنس إبراهيم

 

 

 

كاتب وباحث ومترجم. حاصل على البكالوريوس في «العلوم السياسيّة»، والماجستير في «برنامج الدراسات الإسرائيليّة» من «جامعة بير زيت». ينشر مقالاته في عدّة منابر محلّيّة وعربيّة، في الأدب والسينما والسياسة.